.
ربما كانت المرة الأولي التي أتمني فيها وبشدة أن تخفق توقعاتي , لم أدر لم جزم الشارع المصري بحتمية تكرار التجربة التونسية – وإنقلاب قادة الجيش التونسي علي الرئيس المخلوع بن علي – في مصر , تعجبت كثيرا من ترحابهم الشديد وتعرية صدورهم للدبابات والمدرعات التي ظهرت تدريجيا في شوارع العاصمة والمحافظات من بعدها , ظللت متوجسا خيفة وكأنني أخشي من خيبة أمل قد تعصف بالشارع بما يحمله من بارقة أمل , ظنني البعض متشائما , وظنني آخرون خائنا أو متغابيا , تأملت السيناريو المكرر بحذر و ترقب وتواترت الأنباء من هنا وهناك حول إستقرار أمني تارة وإنتظار للمدد تارة أخري , مرت أيام الثورة بتفاصيلها التي آثرت ألا تنتهي حاملة الكثير من الضغط العصبي والتوتر بما يفوق إحتمال المصريون , ظل الإحتقان الشعبي قائما حتي جاء يوم الحادي عشر من فبراير حين أعلن الرئيس تخليه عن الحكم بإرادة مشكوك في صحتها , وأعلن المجلس العسكري من بعدها مسئوليته الكاملة عن نقل الحكم لسلطة مدنية موفيا بوعده أمام الملايين الذين إحتفلوا في الشوارع حتي الصباح من اليوم التالي . . نقطة ومن أول السطر
لن يفيد الإنكار أن الثورة – وإن قررت ألا تنزوي قبل أن تكمل بقية مطالبها – قد فقدت الكثير من التضامن الشعبي والقوة العددية التي إعتدنا وجودها طوال الأيام السابقة , إلا أن المعركة إنتقلت لتتشكل بصورة أخري ما بين حوارات ومفاوضات وإنشاء إئتلافات حتي وصلت لما حققته من نتائج , وأقف كثيرا عند هذه النقطة تحديدا . . . في الحقيقة وإن فرح الكثيرون بما حققناه حتي الآن فإنني أحمل بداخلي قلقا – بل فزعا – مما ستأتي به المرحلة المقبلة , عجزت تماما عن رؤية ولو بصيص أمل في تغيير لواقع عايشناه لثلاثون عاما ماضية . . تعالوا معي نستعرض نقاطا لم تخب ظني – أو قل سوء ظني – بجيشنا (العظيم) الذي تحكم قاداته مقاليد الأمور في مصر الآن . . تولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة الحكم مع وعد بتنفيذ كافة مطالب الشعب المصري , فضلا عن تحية عسكرية تحمل ذكاءا أسطوريا لأرواح الشهداء , وعلي هذا وإلي جانب وعوده المتتالية فهو مسئول عن تنقية كافة مؤسسات الدولة من رموز النظام القديم وما تحمله من فساد , والسؤال هنا . . هل قام المجلس الأعلي حقا بذلك ؟؟ . . . دعنا نتجاهل وجود المشير حسين طنطاوي الذي يمثل لرأس النظام السابق – إخطبوطي الأذرع – أحد أذرعه , فإننا نحتاجه وبشدة في هذه المرحلة , ولكن . . والأمر يعيدنا للسؤال السابق ولظني السئ . . ما الذي يمنع المجلس الأعلي من إقتلاع كافة رؤوس الفساد كما نأمل جميعا ؟؟ . . . هل صدق الشارع المصري حقا أن التضحية بـ(موقع) الرئيس كافية لخروجه – جسدا و روحا – من الصورة تماما ؟ . . هل المنظومة تقتصر علي شخص الرئيس محمد حسني مبارك ؟ . . لا أظن ذلك .
لماذا لم يقم المجلس الأعلي بإستدعاء الرئيس وعائلته للمثول أمام جهات التحقيق حتي الآن ؟ . . ألم تجئ خطوة منعهم من السفر وتجميد أموالهم متأخرة بعض الشئ وتحمل تشكيكا بجديتها وما بعد حدوثها ؟ . . وهل يعلم أحد تحديدا الصور التي عليها (أموالهم) ؟ . . ولماذا لم تتم محاكمة ثلاثي صفوت و سرور و زكريا عزمي ؟ . . ومن التغييرات الحكومية الأخيرة . . لم تحديدا وزراء الداخلية والخارجية والعدل لازالوا في مناصبهم ؟ . . وهم أولهم جاء تعيينا من الرئيس السابق ويظهر جليا فكره اللا جديد علي الإطلاق , وثانيهم من أقام جسورا من العدائية ومهانة المواطن المصري في الدول الأجنبية والإفريقية , وثالثهم من شهد مباركا علي تزييف الإنتخابات البرلمانية الأخيرة ؟؟ . . . هل يكفي حقا عزل و محاسبة وزراء بينما يظل محافظين و رؤساء أحياء ومديرين أمن وإدارات يمارسون وظائفهم ويعيدون ترتيب أوراقهم حتي لحظة كتابة هذه السطور ؟؟ . . بل قل وأين السيد النائب العام من كل هذه الأسئلة حول رؤوس الفساد وهو (النائم) العام عليها طوال تلك السنوات ؟؟ مع العلم أنه أعلن مؤخرا حصره لحوالي 1200 بلاغ فساد لا يتوقع أن يدعم جميعهم بأدلة دامغة . . . ألا يظهر كونه تصريحا مرنا ؟؟ . . أسئلة كثيرة تدور بأذهان المواطنون بينما تأتيهم بضع مناوشات بين قوات الجيش والمواطنون بين الحين والآخر تقلق مضاجعهم وتجعلهم في حيرة من أمرهم . . فهل ينوي المجلس الأعلي خيرا حقا ؟؟
ألا تري معي يا سيدي القارئ أن الجهة الأولي ذات المصلحة في الإيحاء بفكرة تكوين اللجان الشعبية خلال فاجعة الفراغ الأمني لتتمكن من فض التظاهرات . . هي قواتنا المسلحة !! . . هل ظننت حقا أن أنس الفقي وحسين طنطاوي لا تجمعهما منظومة واحدة كما جمعت الأول بحبيب العادلي ؟ . . هل خدعتك التحية العسكرية ؟ . . المؤسسة العسكرية هي الأكثر خبرة بسياسة الإنسحاب لتجنب الهزيمة . . هل تعجبت من فض الجيش للمتظاهرين بالقوة من التحرير خلافا لسياستهم المعلنة ؟ . . هل سمعت يوما عن حرب الإستنزاف سيدي القارئ المتعجب ؟؟ . . إنها حرب المناوشات غير المعلنة , تضرب الضربة وتستنكر وتندد بمن يحاول الوقيعة بينكما . . أحقا تستبعد وجود إتفاق خفي بترويج الشائعات بتحفز القوات الإسرائيليه من الشرق وضعف تأمين الحدود من باقي الجهات لإنشغال القوات في الداخل لترويع المواطنين لذات الهدف ؟؟ . . . أحقا تظن أن السيد المشير حسين طنطاوي يغفل عن حقيقة أن الشعب لن يكتفي حين يحقق مطالبهم بإقالة أحمد شفيق ؟ . . وأن الدور سيأتي عليه من بعده !! . . هل ستؤنبني سيدي القارئ وتذكرني بأن الرئيس المخلوع مبارك يجلس مريضا لا حول له ولاقوة وقد أعلن الجيش عن إنقطاع الإتصال بينهما . . سأحاول أن أصدق ضاحكا وأرد متسائلا عن دوره كرئيس حالي ضمنيا – ونجله فعليا – للحزب الوطني الديموقراطي الذي لا يزال قائما حتي هذه اللحظة مع عدم وجود أي وعود بحله . . لماذا لم يستجب المجلس لهذا المطلب والآخر بحل جهاز أمن الدولة ؟؟ . . هل تشككت من ظنوني حين أعلنت اللجنة المنوط بها تعديل الدستور أن الرئيس المنتخب سيحلف اليمين أمام مجلس الشعب المنتخب ؟ . . الذي سينتخب في ظل فساد المحليات وسيطرة الحزب الوطني عليها و علي مجلس الوزراء وعلي الشارع المصري !! . . فضلا عن خلو مقعد الأمن من حياتنا اليوميه . .
وبذكر ملف الشرطة . . هل تعتقد أن قواتنا المسلحة المصرية العظيمة تعجز حقا عن تأمين الشارع المصري ؟؟ . . كم مرة إتصلت برقمهم المجاني وتعمدوا التأخر في الوصول وكأنهم يرغبون في توصيل رسالة محددة . . هل تعلم كم العروض التي عرضت علنا و خفية من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية لمنح معونات مالية وعينية ؟ . . هل يصعب حقا أن تكون تلك المعونات في هيئة معدات وسيارات لإعادة بناء وزارة الداخلية لإعادة الأمن الداخلي ؟ . . بل وهل لا تملك مصر وبعدما شاهدناه من أموال منهوبة أن تجدد جهازا بتلك الأهمية ؟ . . كم سيستغرق الأمر ؟ . . أسبوعان علي الأكثر ؟؟ . . لم نر ولو حتي بادرة علي ذلك . . وحتي لو لم يتم التمويل هل تعتقد حقا أن ضباط الشرطه – بخلاف القيادات – لا يرغبون في النزول للعمل ؟؟ . . أتظن أن القوات المسلحة ستسمح لهم بذلك ؟؟ . . أعتقد أن الأمر أوضح مما ينبغي فالوزير الجديد لا يعمل في حكومة أخري في دولة أخري ؟؟ . . . ألم تسأل نفسك لم يرغب المجلس الأعلي في أن تظل شوارعنا بهذه الصورة ؟ . . ألم تدرك أنه الكارت ذاته الذي إعتقدت أن الوزير السابق حبيب العادلي وحده من ينوي إستخدامه ؟؟ . . هل إعتقدت حقا أنهم درع الوطن وحامي الحمي في الداخل و الخارج ؟؟ . . ربما تحدث مواقف بطولية من بعض الضباط ولكنها لا تحكم مؤكدا علي سياسة قادتهم الواضحة وضوح الشمس . . هل تظن حقا أن الإعلام المصري يأخذ علي عاتقه (بمفرده) مهمة الوقيعة بين الشعب والشرطة ؟؟ هل إنشغلت بها – الوقيعه – عن عدوك الحقيقي ؟؟ . . إنها ألف باء فتنة . . لعبة ستظل الأكفأ علي مر العصور . . الإخلال بأمن المواطنون وترويع الأهالي . . إعادة إحياء الفتنة الطائفية . . الضربات الواحدة تلو الأخري للمتظاهرين الذين ضعفت شوكتهم بطبيعة الحال مع مرور الوقت . . تجاهل التغييرات (الحقيقية) في منظومة الحكم بفروعها المتغلغلة حتي النخاع . . وغيرها . . كلها أمور تكفل للمجلس الأعلي الضرب بيد من حديد علي من تجرأ وحاول أن يقلب عليهم الطاولة . .
إسمح لي أن أستوقفك سيدي القارئ هنا للحظات . .
إسمح لي أن أستوقفك سيدي القارئ هنا للحظات . .
لم يكن الرئيس مبارك يحكم مصر طوال – لنقل – الخمس سنوات الأخيرة . . لم يسود الإعتقاد أن الأمور ستنصلح بمجرد مغادرته ؟؟ . . أبمجرد الوعد بتنفيذ مشروعي تعليم وممر تنمية !! . . لا أعتقد . . بل أكاد أجزم أن بمرور الوقت وبعد إقامة مجلسي شعب و شوري من مخاض منظومة ملوثة , وبعد إنتخاب رئيس – أيا كان – لا يزال يتمتع بمعظم صلاحياته السابقة فضلا عن حرص المجلس علي شخص المنتخب , وبعد إنهاك وكسر شوكة هذا الشعب العظيم أمنيا . . ستطل علينا وزارة الداخليه المصرية بثوبها الجديد حين يسمح لها حينها بتمويل خيالي لتبقي لأبد الدهر – بإضطرار الكثير من عناصرها – معبرة عن ذات النظام الذي أبدا لن يصبح بائدا .
أخشي أن أظهر متشائما بعض – أو كثير – الشئ لدي البعض , ولكن هاجسا بداخلي يجعلني لا أملك سوي أن أنقل رسالة تجثم علي صدري لعلها تمنع أملا زائفا أخشي أن يسيطر علي الكثير منا بتغيير حقيقي يحدث في البلاد , ومن يدري . . قد تحمل الأيام القادمة ما ينفي مخاوفي .