السبت، 31 ديسمبر 2011

إيه ؟ . . خلاص ؟







تمر الساعات مسرعة نحو عام جديد نأبي إلا أن نتمني أن يخلف أثرا طيبا في نفوسنا جميعا . أضع أقلامي جانبا وأرتب أوراقي المبعثرة بحثا عن أحرف صاغتها أيامي الماضية . كان عاما متخما بحق ، مليئا بأحداث بعضها المريح والبعض الآخر كأشواك ترفض أن تترك ملابسك الممزقة . كانت بداية مؤسفة بحق إفتتح بها هذا العام ملفه بحياتنا ، ربما كانت تلك البداية حلقة هامة في سلسلة تفاعلات مرت بمصر حتي هذه اللحظة ، وربما كشفت عن مشكلة حقيقية لطالما تجاهلنا تواجدها في مجتمعنا وسط إنشغالنا بتبادل القبلات الموسمية أمام شاشات نفاقنا .

تتابعت الأحداث ليُصعق العالم بما فعله شاب تونسي فقير من بلدة متواضعة بواحد من أعتي جبابرة العالم العربي ، لتتصاعد الأحداث كما رأيناها جميعا وسط غيرة قاتلة تنحر قلوب شباب العالم لتلحق دولة تلو الأخري بحالة الحراك الثوري التي ربما لن تتكرر سوي بعد مائة عام أخري . أكاد أتذكر دقات قلبي المتسارعة وأنا أقفز أمام شاشة التليفزيون علي خلفية كلمات عمر سليمان الخالدة ، كان يوما بدهر بحق .

حاولت أن أحصي الأحداث التي أثرت بي هذا العام فوجدتها -  ككافة أفراد الشعب المصري – لا تحصي ! . . فقط أخذتني صعودا وهبوطا بلا توقف . كانت الأيام الأولي بالثورة موجعة قليلا بالنسبة لي كأحد أفراد منظومة أخذت علي عاتقها الحفاظ علي إنكسار هذا الشعب ، كنت أتصل لأطمئن علي زميل سابق وضعته أفعاله بمجري إستيقاظ القدر فأجد أفكاري تنفلت نحو تفهّم يصحبه يقين بحتمية ما حدث . وجدت كراهية ورغبة مكتومة – إلي حين – في الإنتقام ممن قلب عليهم الطاولة ، وجدت أفكارا ملوثة وعقول سطحية لازالت تؤمن بنظرية المؤامرة كلما تتنفس ، ألهمني الله ولم أفقد إيماني بالثورة قط . مرت الساعات والأيام وجاء وقت الإعلان عن "الورد اللي فتح في جناين مصر" ، واحدة من تلك اللحظات التي عرفت بها معني للتضحية في سبيل ما يستحق ، لا فارق حينها بين مدني وعسكري .

كان عام التصريحات بالفعل ، أتذكر جملا وعبارات من شخصيات متناقضة لا مثيل لها ، فمن "شعب لا يصلح للديمقراطية" و"بين الإستقرار والفوضي" لثنائي عمر سليمان وحسني مبارك ، إلي " واد صايع يستاهل الحرق في أفران هتلر" و"13/13/2013" لثنائي اللواء عمارة والإعلامي الكبير توفيق "بطة" . أتذكر الفرحة العارمة التي وددت كثيرا تجربتها – رغم موقفي منها – في الإستفتاء الشهير ، والتي لحقتها النشوة البالغة بالإنتخابات النزيهة – بعيدا عن الفوضي – الأولي في تاريخ . . حياتي علي الأقل .

أتذكر كوارث أسفت لحدوثها وأسفت أكثر من أشخاص تبحث سريعا عن أسباب تريح بها عقولها بلوم الضحية ومنح العذر للجلاد . ماسبيرو ومسرح البالون ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغير ها ، فقط أرقام أضافوها لصحف مهملة بقدر إهمالهم لضمائرهم . كان أكثر ما رأيته مبهرا وعجيبا هذا العام هو كيف إستطاع نظام مبارك بحق أن يفرز كائنات لا أراها بشرية تهوّن من سرقة وفساد وقتل علي مدار ثلاثون عاما وتهوّل من جرأة شباب – أشكرهم عليها – في نقدهم للمسبب الأول فيما سبق . . محمد حسني مبارك .

عرفت بهذا العام الكثير علي حقيقتهم ، أو ربما رأيت فقط إستكمالا منطقيا لشخصياتهم التي لطالما تجاهلت إنذارا بداخلي نحوها ، كان أمرا بديهيا بحق ولم أأسف علي خسارتهم . رأيت "حالة" التحرير التي حسدت كل من شارك بها طيلة الثمانية عشر يوما ، تعرفت علي أدباء وكتّاب رائعون ، توسعت مداركي كثيرا وما أظنها مجددا ستضيق ، وجدت مشاعر وإمكانات رائعة لدي أصدقاء إفتراضيون إستطاعوا الإنتقال لعالم الواقع بأعمالهم الخيرية وكتاباتهم الرائعة ونشاطاتهم المبهرة التي – وإن لم يحالفني الحظ قط لمشاركتهم بها – تعلمت منها الكثير . عرفت أيضا معني الحرية التي ربما ما كانت لتنفلت في بعض الأحيان لولا جهل جعلنا نظام مبارك نتذوق مرارته جيدا .

كان هذا العام أيضا مثمرا علي المستوي الشخصي ، فأخيرا تعلمت السباحة وقد كنت أوشكت علي اليأس "إمنع الضحك" ، كما كان به موقفا لن أنساه قط ، فبعد أن وصمني السيد عميد كلية إعلام القاهرة بالفشل وشكك في مقدرتي علي عبور ولو "ترم" في الماجستير ، نجحت بالفعل بهذا الترم بل وكنت الوحيد ضمن أربعون شخصا من المتقدمين لم يحالفهم الحظ جميعا ، بينما إمتدت ثورة التصحيح نحو كرسي سيادته وتم طرده شر طردة من مكتبه وحتي منزله مهانا مدحرجا .

ربما إنطوي هذا العام – بحسبة إنسانية – علي خسائر أكبر كثيرا من المكاسب ، إلا أنني أعتقد أن الأمر كان يستحق ، وأن لا أحد بعالمنا أو ممن تركونا قد يندم الآن . أكاد أجزم والعالم الله في ظني أن هذا العام كان من أفضل ما مر بحياتي قط .

كل عام والجميع بخير وصحة وسعادة .