السبت، 31 ديسمبر 2011

إيه ؟ . . خلاص ؟







تمر الساعات مسرعة نحو عام جديد نأبي إلا أن نتمني أن يخلف أثرا طيبا في نفوسنا جميعا . أضع أقلامي جانبا وأرتب أوراقي المبعثرة بحثا عن أحرف صاغتها أيامي الماضية . كان عاما متخما بحق ، مليئا بأحداث بعضها المريح والبعض الآخر كأشواك ترفض أن تترك ملابسك الممزقة . كانت بداية مؤسفة بحق إفتتح بها هذا العام ملفه بحياتنا ، ربما كانت تلك البداية حلقة هامة في سلسلة تفاعلات مرت بمصر حتي هذه اللحظة ، وربما كشفت عن مشكلة حقيقية لطالما تجاهلنا تواجدها في مجتمعنا وسط إنشغالنا بتبادل القبلات الموسمية أمام شاشات نفاقنا .

تتابعت الأحداث ليُصعق العالم بما فعله شاب تونسي فقير من بلدة متواضعة بواحد من أعتي جبابرة العالم العربي ، لتتصاعد الأحداث كما رأيناها جميعا وسط غيرة قاتلة تنحر قلوب شباب العالم لتلحق دولة تلو الأخري بحالة الحراك الثوري التي ربما لن تتكرر سوي بعد مائة عام أخري . أكاد أتذكر دقات قلبي المتسارعة وأنا أقفز أمام شاشة التليفزيون علي خلفية كلمات عمر سليمان الخالدة ، كان يوما بدهر بحق .

حاولت أن أحصي الأحداث التي أثرت بي هذا العام فوجدتها -  ككافة أفراد الشعب المصري – لا تحصي ! . . فقط أخذتني صعودا وهبوطا بلا توقف . كانت الأيام الأولي بالثورة موجعة قليلا بالنسبة لي كأحد أفراد منظومة أخذت علي عاتقها الحفاظ علي إنكسار هذا الشعب ، كنت أتصل لأطمئن علي زميل سابق وضعته أفعاله بمجري إستيقاظ القدر فأجد أفكاري تنفلت نحو تفهّم يصحبه يقين بحتمية ما حدث . وجدت كراهية ورغبة مكتومة – إلي حين – في الإنتقام ممن قلب عليهم الطاولة ، وجدت أفكارا ملوثة وعقول سطحية لازالت تؤمن بنظرية المؤامرة كلما تتنفس ، ألهمني الله ولم أفقد إيماني بالثورة قط . مرت الساعات والأيام وجاء وقت الإعلان عن "الورد اللي فتح في جناين مصر" ، واحدة من تلك اللحظات التي عرفت بها معني للتضحية في سبيل ما يستحق ، لا فارق حينها بين مدني وعسكري .

كان عام التصريحات بالفعل ، أتذكر جملا وعبارات من شخصيات متناقضة لا مثيل لها ، فمن "شعب لا يصلح للديمقراطية" و"بين الإستقرار والفوضي" لثنائي عمر سليمان وحسني مبارك ، إلي " واد صايع يستاهل الحرق في أفران هتلر" و"13/13/2013" لثنائي اللواء عمارة والإعلامي الكبير توفيق "بطة" . أتذكر الفرحة العارمة التي وددت كثيرا تجربتها – رغم موقفي منها – في الإستفتاء الشهير ، والتي لحقتها النشوة البالغة بالإنتخابات النزيهة – بعيدا عن الفوضي – الأولي في تاريخ . . حياتي علي الأقل .

أتذكر كوارث أسفت لحدوثها وأسفت أكثر من أشخاص تبحث سريعا عن أسباب تريح بها عقولها بلوم الضحية ومنح العذر للجلاد . ماسبيرو ومسرح البالون ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغير ها ، فقط أرقام أضافوها لصحف مهملة بقدر إهمالهم لضمائرهم . كان أكثر ما رأيته مبهرا وعجيبا هذا العام هو كيف إستطاع نظام مبارك بحق أن يفرز كائنات لا أراها بشرية تهوّن من سرقة وفساد وقتل علي مدار ثلاثون عاما وتهوّل من جرأة شباب – أشكرهم عليها – في نقدهم للمسبب الأول فيما سبق . . محمد حسني مبارك .

عرفت بهذا العام الكثير علي حقيقتهم ، أو ربما رأيت فقط إستكمالا منطقيا لشخصياتهم التي لطالما تجاهلت إنذارا بداخلي نحوها ، كان أمرا بديهيا بحق ولم أأسف علي خسارتهم . رأيت "حالة" التحرير التي حسدت كل من شارك بها طيلة الثمانية عشر يوما ، تعرفت علي أدباء وكتّاب رائعون ، توسعت مداركي كثيرا وما أظنها مجددا ستضيق ، وجدت مشاعر وإمكانات رائعة لدي أصدقاء إفتراضيون إستطاعوا الإنتقال لعالم الواقع بأعمالهم الخيرية وكتاباتهم الرائعة ونشاطاتهم المبهرة التي – وإن لم يحالفني الحظ قط لمشاركتهم بها – تعلمت منها الكثير . عرفت أيضا معني الحرية التي ربما ما كانت لتنفلت في بعض الأحيان لولا جهل جعلنا نظام مبارك نتذوق مرارته جيدا .

كان هذا العام أيضا مثمرا علي المستوي الشخصي ، فأخيرا تعلمت السباحة وقد كنت أوشكت علي اليأس "إمنع الضحك" ، كما كان به موقفا لن أنساه قط ، فبعد أن وصمني السيد عميد كلية إعلام القاهرة بالفشل وشكك في مقدرتي علي عبور ولو "ترم" في الماجستير ، نجحت بالفعل بهذا الترم بل وكنت الوحيد ضمن أربعون شخصا من المتقدمين لم يحالفهم الحظ جميعا ، بينما إمتدت ثورة التصحيح نحو كرسي سيادته وتم طرده شر طردة من مكتبه وحتي منزله مهانا مدحرجا .

ربما إنطوي هذا العام – بحسبة إنسانية – علي خسائر أكبر كثيرا من المكاسب ، إلا أنني أعتقد أن الأمر كان يستحق ، وأن لا أحد بعالمنا أو ممن تركونا قد يندم الآن . أكاد أجزم والعالم الله في ظني أن هذا العام كان من أفضل ما مر بحياتي قط .

كل عام والجميع بخير وصحة وسعادة .


الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

لماذا يرفضون المجلس المدني ؟








لن أخوض في تفاصيل ما يحدث في الشارع المصري بشكل عام وفي ميدان التحرير – أو شارع محمد محمود – بشكل خاص , فالوضع أوضح من أن يستوضحه أحد فهو جريمة بكل المقاييس , فقط سأستعرض ما يردده البعض الآن من طرح لفكرة تسليم السلطة لمجلس رئاسي مدني , وهنا قد يتفق البعض أو يختلف . والحقيقة أن من يختلف فإنما يبدأ حديثه دائما بسؤالين شديدو الأهمية , لمن سنسلم السلطة ؟ . . وماذا سيحدث للبلاد "أمنيا" بعد تسليمها ؟ . . أعلم يقينا مدي تنوع طبيعة الشارع المصري وإختلاف إيدلوجياته وأفكاره إلا أن القاسم المشترك الآن بين الجميع هو الرغبة بعدم وصول البلاد إلي طريق مسدود , أي عدم الجر بها إلي مهزلة من التناحر علي السلطة . ولما كان الأمر قد وصل به لما وصل من إنهيار أمني وإقتصادي وإجتماعي وسياسي علي أيدي "بسلامته" المجلس العسكري , فضلا عن الإنتهاكات التي لن ينكرها سوي خائن لهذا الوطن ولشعبه , لذا فليس من المعقول وتحت أي حجة أن نستمر في التعويل عليه للمرور بالبلاد من عنق تلك الزجاجة اللعينة بل ونتمادي – كما يفعل البعض – ونمجد في دوره في حماية الثورة .

يري الكثيرون أن الوقت قد حان ليتولي مجلس مدني رئاسة البلاد , وهنا أشدد علي عدم جدوي حكومة الإنقاذ الوطني المزعومة في ظل وجود المجلس العسكري , ولنا في عصام شرف "بجزئيه" عبرة , إذن فالأدعي أن نستعين الآن برموز من كافة التيارات السياسة وهم ليسوا بكثيرين فهناك رموزا قد يجمع عليها أكثر من تيار , ونجمعهم بمجلس مكون من خمسة أشخاص علي سبيل المثال , ويمكن أن يرافقهم أحد السادة القضاة ولنقل رئيس المحكمة الدستورية العليا لإضفاء بعض الشرعية , بالإضافة لممثلا عن القوات المسلحة كمستشارا عسكريا وليس أكثر , وبذلك نكون قد تخلصنا من "رعب" فكرة التناحر علي السلطة والفوضي المزعومة , كما لا أظن أحدا رأي بلدا يمتصها العسكر طوال ستون عاما سيكره رؤية من دونهم . .

أما بالنسبة للمجلس العسكري فالحقيقة أيها السادة أن السيد المشير حين تولي سلطة البلاد كرئيسا لهذا المجلس فهو لم يتنازل قط عن منصبه كوزيرا للدفاع , دعنا هنا لا نقف عند كونه رئيسا لنفسه وتلك "اللخبطة" السياسية , فالمجلس العسكري هنا كمجلس إداري لإحدي الوزارات قد قفز من سلطته التنفيذية للجمع بينها وبين شقيقتها التشريعية , فتارة هو حاكما , وتارة يأمر نفسه فيتولي مساعدة وزارة الداخلية من خلال قواته العسكرية داخل البلاد , إذن دعنا نتفق إننا حين ننتقد المجلس العسكري كسلطة سياسية فإننا لا نقصد هنا مؤسسة الجيش العريقة التي لا يرغب في هدمها أحد , بل أن المجلس بفعلته هذه هو من عزز نار الإنقسام بين الشعب علي تلك التسميات المتناقضة .

أما الآن فإذا قام المجلس العسكري متفضلا بتسليم السلطة لمجلس رئاسي مدني فإنه سيتفضل أيضا ويعود – ليس لثكناته – لدوره كمجلس لوزارة الدفاع , أي ليمارس دوره الذي يباشره الآن في المساعدة علي حفظ الأمن , أي يعود لوظيفته التنفيذية الطبيعية تحت إمرة وزير دفاع يتبع رئيس وزراء يتبع رئيس جمهورية ممثلا عنه المجلس الرئاسي المدني . وهنا يجدر الإشارة إلي أن بقيام السيد المستقيل عصام شرف بتقديم إستقالة الحكومة فإن السيد المشير طنطاوي ضمنيا وفعليا أصبح خارج نطاق الخدمة , فيتسلم منه مؤقتا رئاسة المجلس الأعلي للقوات المسلحة أقدم لواء مناسب للمنصب وذلك حتي تعيين وزيرا للدفاع بمعرفة رئيس الحكومة الجديد – بفرض ظهوره .

إذن فلا مشكلة الآن شكليا من ناحية من سيتسلم السلطة وكيف ستدار الأمور , أما بالنسبة للناحية الأمنية فالواقع أن ذلك الشأن يعود بشكل رئيسي علي وزارة الداخلية , فتلك وظيفتهم ومهمتهم في الحياة ولا شأن للقوات المسلحة بها . ولكن ما يحدث علي أرض الواقع – وللأسف – أن ما آلت إليه الأمور من تصاعد لنبرة المطالبة بتواجد القوات المسلحة بكافة المواقع والمهام الشرطية أصبح نقرة وخيبة بالغة الخطورة , فكثير من ضباط الداخلية الآن أصبحوا يشترطون لنزولهم الشارع أو للقيام بأية مأمورية أن تتواجد بصحبتهم فرقة من القوات المسلحة , وذلك قبل أي حديث عن أي مجهود من ناحيتهم , مما يشبه تطبيقا لمقولة " غديني تلاقيني" . وكأن المعتاد والطبيعي أننا نحتاج لمن يؤمن من يؤمن المواطن , الحقيقة أن هذا الوضع أراه بالغ الخطورة ولا أدري كيف سننتهي ونصل لمرحلة الفطام من هذا الإحتياج لجرعات متتالية من القوات المسلحة .

جرب أن تسأل ضابطا من وزارة الداخلية - الغالبية العظمي - ما رأيك في رحيل المجلس العسكري , ستجد الرد جاهزا . . البلد هتقع . . الأمن هينهار . . وكأنك تتحدث لمواطن وتخبره أنك ستقوم بإلغاء الشرطة !! . . إذن فإننا أمام حالة من فقد الهوية , هذا كسبب أولي للرفض , وللأسف الشديد أيضا فتلك الحالة قد وصلت بطريق مباشر وغير مباشر للمواطن الذي تأثر بشدة وتيقن من فقده لأمنه وأمن أولاده بمغادرة المجلس العسكري لحكم البلاد . أما السبب الآخر فهو بالطبع لكون المجلس العسكري هو مصدر هيبة السلطة التي فقدتها الداخلية وتبحث عنها بيأس الآن , كما أنه المتغاضي الأول والمساعد الرئيسي في عدم محاسبة أي مخطئ من ممثلي السلطة سواء من الداخلية أو من الشرطة العسكرية . فالكثير سيقع تحت طائلة القانون ومقصلة العدالة من الجهتين إذا ما قرر المجلس العسكري ترك مقاليد السلطة والتنحي جانبا لصالح مجلس مدني لن يفرق بين مدنيا كان أو جنديا ولن ينحاز لأحد , بل سيعادل غشامة السلطة التنفيذية ويوازنها لصالح الوطن والشعب . بالطبع هناك الكثيرين من الجهات الأخري – الأصابع كما يسميها البعض – التي تقوم أيضا بنشر نفس الأفكار السلبية لنفس الأهداف اللعينة التي يندي الجبين لقيام بعض الضباط الشرفاء بمعاونتهم عليها .


إذن فلا مشكلة فعليا أيضا سوي في تخاذل البعض والوهم الذي ينشره بمعاونة البعض 
الآخر , لا مشكلة حقيقية في رحيل المجلس العسكري وقدوم مجلس مدني بالتزكية 
والتوافق بين القوي السياسية يتولي إدارة البلاد لحين إنتخاب رئيسا شرعيا للجمهورية 
بعد إنتخابات مجلس الشعب وبعد إعداد دستور جديد . بالطبع الحديث عن إجراء 
إستفتاء طبقا لإقتراح المشير هو محض هراء بالغ فلم يتولي المجلس بإستفتاء حتي 
يغادر بإستفتاء , ولا أحد الآن يستأمن المجلس علي وسيلة سيحرث بها الأرض ليميلها 
لصفه بحثا عن شرعية زائفة للإستمرار بالحكم , فضلا عن كون الإستفتاء السابق قد 
كلف الدولة قرابة المائتين مليونا وهو الذي يتحدث عن إنهيار إقتصادي نسي الإعتراف 
بكونه سببا رئيسيا به حينما تجاهل القيام بخطة تقشف حكومية أو تحديد حد أقصي 
للاجور . هذا والله تعالي أعلي وأعلم . 




الجمعة، 18 نوفمبر 2011

وماذا بعد . .؟






أعشق الرقص كما أخبرتك

حقا أعشق الحركة المفعمة بالسعادة والحب

وعلي الرغم من هيئتي هذه التي لا تدل علي كوني أستطيع السير بإستقامة حتي . . نعم , فأنا ضعيف البنية لدرجة لا تصدق . . إلا أنني لطالما عشقت أشياء لا ولن أستطيع إليها سبيلا . . كالفتيات مثلا . . . . . . . . . حسنا حسنا , أنا بالفعل أخشاهن , لدرجة الرعب , لا . . كان هذا حتي المرحلة الجامعية فقط , فأنا الآن وبعد تخرجي أصبحت زير نساء , فقط أصبحت زير لنساء لم يعجبنني قط . . أتعلم . . حين يجلس مجموعة من الصبية , الشباب , الرجال , الذكور بشكل عام . . ما أكثر الموضوعات شيوعا للتحدث عنها بينهم ؟ . . نعم , هن , ولكن عليك حقا – لتدرك واقع الأمر – أن تجلس معهم وتنصت جيدا , ستجد أن ما من شاب سيحكي لك عن حبيبته , أو من يصنفها هو بأنها من تستحق , فقط سيجول ويدور حول سيرة من يستبدلها كل حين بأخري . الرجال بشكل عام لا يتفاخرون بأكثر ما يتفاخرون بقدر علاقاتهم العاطفية – الجنسية أحيانا – المشبوهة . . "هل نطقتها حقا !! " . . إمم , قد يعتبرها أي منهم نوعا من الضعف قد يظهره أحيانا لصديق مقرب والأبدي ألا يظهره , أما السيرة البذيئة , فسحقا للحياء , بل هي مفخرة وملحمة يجدر تمجيدها 

في السنوات الأولي للمراهقة وبجلسات كهذه , يستمع كل صديق للآخر فيتأثر من يتأثر وكيفما يتأثر , دعك من الآخرين الآن فقد كنت أسوأهم جميعا , لم تدنو لأذني ولو لمرة قصة أو "حدوتة " إلا وكانت عن "ذات سمعة" , لم أجد من الخبرة ما أكتسبه ولم أجد من الأهداف ما أطمح إليه سوي ما يثيرني , ولا يروقني , إن كنت تفهم ما أقصد . . حسنا , إياك أن تظن الآن أنني قد نضجت خبيرا بالفتيات فصادقتهن جميعا . . سأعترف لك . . نشأتي هذه وقد كنت فتي محبوبا من أصدقائي جذابا للفتيات من حولي لم تؤثر بي قط , كنت خجولابشدة . . ألم أقل لك بالفعل !! . . . حسنا . . رغم هيئتي المقبولة وخفة ظلي إلا أن جل ما فعلت هو تخزيني لكل ما سمعت من حكاوي لأصدقائي بصحبة فتيات لم أحلم بأن أنطق كلمة أمامهن , كانت ركبتاي حقا ترتعشان إذا مرت إحداهن بجواري , وعلي العكس تماما كنت أشعر بنظراتهن , همساتهن عني ومن حولي , أشعر برغبتهن في التعرف بي ومصادقتي , إلا أن يوما لم أفعل . كنت فاشلا بمعني الكلمة رغم رغبتي في النجاح 
.
كانت بكل فترة فتاة هي الأكثر شهرة علي الإطلاق . . أعلم الآن يقينا أنك لن تصدقني حين أخبرك برغبتها – تلك تحديدا – التي أستشعرها في صداقتي , كنت بنظرهن جميعا الفتي "إبن الناس" الذي يصلح ربما في المستقبل كزوج "لقطة" , الفتي الذي لن يغرر بنا كما يفعل أصدقائه المنحرفون . لم يخطر ببالهن قط ما يدور بعقلي أنا . . ما سمح لي به من خيالات تفاقمت من فرط حكايا أصدقائي الجامحة مع أمثالهن . ما كنت أنا سأفعله إذا فقط , لم أكن أنا . . لا تخجلني الآن فأنت من طلبت أن أحكي . .

ظلت خيالاتي تتسع وطموحاتي تتضاءل . . نعم فبكل فكرة تحمل قصة يزداد يقيني بكوني لم ولن أصير مثلهم , أعرف كل القواعد بالفعل لكني لا أدرك كيف تطبيقها . تعلمت ما تحب الفتاة أن يقال لها , ما تحب أن يهدي لها , شاهدت كافة الأفلام الرومانسية . . ورغم كونها رومانسية إلا أن الجانب البذئ هو ما كان يطغي عليّ دوما . . تعلمت كافة أسرار العلاقات الخفية وما يفعم حيويتها وحميميتها لأقصي حد . . الخبرة المثالية التي سيكتسبها نجلك مستقبلا هذا ما أؤكده لك . .

هل تنتظر الآن ؟

حسنا . . كل هذا . . حتي ظهرت هي !

هل تع النسيم العليل الذي يرتطم بوجهك ويمر بقميصك فيمحو عنك أثر أشعة الشمس التي تحرق جسدك , حين تصحبه زخات إرتطام الأمواج الوليدة بجدار المرسي الصغير حيث تتراكم الأصداف وتمر بجوارها صغار الأسماك حال رؤيتها بعد رحلة شاقة لقضاء عطلة نهاية إسبوع قاس . . كان هذا شعوري حينها .

هل تلك نهاية القصة ؟ . . ليتها كانت , فتلك الفتاة كانت كما أسلفت ممن لم أفهمهن علي الإطلاق , لم أتعلم كيفية التقرب لمثلها , كلما حاولت فهم إشاراتها تخيلتها إحداهن فتعجبت لم لا تعبر عما يدور بداخلها بأقوي من ذلك , كلما حاولت التحدث إليها أعاجلها بأسلوب أقل ما يوصف بكونه منحط ولم أدرك قط أين أخطأت , بالطبع إبتعدت عنها فلم أفهمها ولم تكن لتفهمني , سنتان إثنتان مرتا , كنت قد تخرجت قبلهما بعام , وبأولهما تغيرت حياتي للأبد , هل تعلم حين تحمل كتيب التعليمات لماكينة ما ولا تجد لها مفتاحا ؟ . . حسنا , لنقل أنني قد وجدته , ولكونه مفتاحا سحريا بطبيعته فقد فتح لي طاقة القدر . . حين طبقت تعاليمي الأولي وصادقت إحداهن بسهولة منقطعة النظير , فقد قررت أن أبدأ بأول فتاة لطالما حلمت بها , ويالعجبي وكأنها كانت فقط تنتظر أن أبادر بخطوة مني , وبالفعل مرت الشهور تلو الأخري وكأنني أنتقم لذاتي , ظللت أستعيد ذكرياتي مع كل من عجزت عنهن وكل من صادقهن غيري فصادقتهن , كل من إحتلت جزءا كبيرا بخيالاتي فجعلتها واقعا . . لم أدر كيف وبأي حق تتحقق أحلامي الآن هكذا . . أرجوك لن أتذكر عددهم الآن بالتأكيد فقد مر زمن . . كل ما أدركه الآن أن كبتا كان بداخلي , نعم , أراني بالفعل ضحية لمجتمع فاسد ولصحبة شائنة كل ما تتعلمه منها هو كيف تحترف إرتكاب الخطأ . . بالطبع أدرك كونه خطأ أتحسبني مغفلا !
 
حسنا . .

أتعصب أحيانا الآن أيضا . . كثيرا .

كن ينخدعن في بشدة , كنت لخبرتي – "النظرية" – أخدعهن بمعسول الكلام عن غرامياتي السابقة وعن خبرتي بهذا وذاك الأمر وتلك الأشياء , فيصدقن بكوني "شاب صايع" . . هههه الحق يقال فقد إستمتعت حقا . . فقط حين لم تكن بالجوار .

كانت فتاتي "تلك" تظهر كل حين , تظهر لتقلق مضجعي وتذكرني بآدميتي , تذكرني أحيانا بكوني لم أخلق لتلك الحياة وأحيانا أخري بعجزي أمامها وكوني لن أصلح أبدا لها , حاولت معها مجددا لن أكذب عليك الآن بعد كل هذا , وأخفقت أيضا , كنت بطيئا رتيبا مملا , كان كل ما يقلقني هو كيف يظهر صوتي واثقا حين أحادثها , كيف أبدأ الكلام ومتي أنهيه ,كلاما لا معني له ولم أدر لم – علي الرغم –شعرت بدفقة إرتياح بصوتها الرزين . . أعلم . . صدقني إستوعبت الدرس جيدا هذه المرة , أدركت من هي وأدركت كوني لست مستعدا بعد , كان جزءا بي يرغب بها بشدة , وينقسم هذا الجزء أيضا لقسمين أحدهما لا يدر كيف يفعل والآخر لا يرغب في التعجل , بينما الجزء الآخر لم يشبع من الحياة بعد , لم ينتقم من غفلته السابقة كما يجب بعد .

فعلت أفعالا شائنة حقا , أعترف بذلك , تدري . . لعلها صفتي الوحيدة التي أفتخر بها , الصراحة , أتمادي بها أحيانا كثيرا حتي أقع حقا بمشاكل جمة . . نعم . . خسرت أشخاصا بسببها أيضا . . ليسوا ممن لا يستحقون الرثاء فلم أكن لأذكر الأمر ولكنهم للأسف علي النقيض تماما . . علي أي حال . . مضي الآن وقت الرثاء . . أتعلم . . لا يضايقني بالأمر الآن سوي كوني لا أستطيع نسيانه . . نسيانها بالطبع أقصد . . فبعد سنوات من العربدة تخللتها أيام وأسابيع متفرقة من العشق الذي لم أعطيه حقه . . صدقني لا أدر لم . . أحببتها أعترف لكني لم أكن قط بقدر المسئولية لأخطو خطوة لائقة , كانت تقتلني بنظراتها المبهمة التي تستفهم عن مفهومي للعلاقات ولا جديد من ناحيتي , كانت عينيها تسألاني متي ولا أجد من الرد شيئا . . فقط أتلذذ بنزواتي تحريرا لذاتي . .

أعلم أنك تتسائل لم أقص عليك كل هذا الآن . . لن أدعك طويلا . . ولن أطيل عليك . . بالأمس كانت خطبتها . . بالأمس فقط أدركت أن لا شئ يستحق بقدر من يحبك لذاتك حقا وليس بقدر ما تجيده من مهارات الحديث أو خبرة العلاقات , لا شئ يستحق حين تتنازل عن كل نفيس وقيم يقابلك مقابل أن تقلد الآخرين بما لا يتسق أساسا مع شخصيتك , لمجرد أن تحذو حذوهم . . مهلا . . لم تنته حكايتي بعد . . أتذكر حين أخبرتك عن صديقتها الوحيدة التي كانت تحادثني أحيانا . . لا لم أخبرك بالفعل , دعك من إسمها , فالأهم ما أخبرتني به بليلة واحدة سابقة للحفل , ربما لست خبيرا مثلي بأمراض العصر ولكنك حتما ستدرك الفاجعة , ففتاتي كانت مريضة , قد يصفها البعض هكذا إلا أن ما بقلبي لها يمنحها هالة خاصة تعصمها المرض , تعصمها أية شائبة وترغبني بها أكثر . . لعلي أنا المريض الآن يالبؤسي ! . . يسمونه سبارقس . . حالاته تتشابه جميعها في ضعف التواصل , في عدم التعلق بالآخرين ربما فقدا للثقة , ولكنها تميزت قليلا ربما هذا ما دعاني لعدم الملاحظة . . بالطبع لا أهتم وأعلم كونك لن تصدقني ! . . قد علمت أيضا أن هذا المرض أعراضه لا تنتبه لها إلا إذا أردت . . يعتريها الشرود كثيرا ويشوبها سرعة التأثر والمبالغة في النحيب أحيانا , أبلغها الأطباء بأن الوحدة تقتلها , وبأن علاجها بصحبة الآخرين , بصحبة من يملأ قلبها ودنياها , بأن إشاراتها الحيوية ستختلف بكل كشف دوري بالفعل إذا لم تأت وحيدة كعادتها , تحتاج يدها من يدفئها , تحتاج لمن ينتشلها من ضلالاتها التي يوقعها بها شرودها أحيانا إلي عالم الواقع , فهي لا تستطيع التركيز بأغلب الأوقات , فقط أبدت تحسنا ملحوظا في بعض الجلسات خلال السنتان الماضيتان , لم يدر أحد لم , فقط ودوا لو علموا لطالبوها بالإستمرار فيما تفعله , في الإقتراب أكثر ممن حسّن أدائها . . ألم أخبرك بكونها مميزة ؟ . . نعم . . كنت أنا السبب . . كنت أنا ولم أدرك سوي الآن كم كانت تحتاج إلي . . كم ظلت تنتظرني حتي أستفيق من غفلتي . . كيف خانتها كرامتها إلا ألا تعترف لي براحتها في جواري . . أتراها عجزت عن القول ؟ . . نعم . . كنت أنا دوما من أعود بها خطوات للخلف حين أرحل من جديد . . من أزيد حالتها سوءا حين أخفق توقعاتها وأخجل فرحتها . .

بالطبع لا أنكر عليها حقها أتظنني جاحدا لهذه الدرجة . . نعم أعلم أنها لم تكن لتنتظر وأن من يقدرها حتما ستمنحه قلبها . . فقط أحزن فلم أكن أنا . . علم هو طبيعتها وإقترب منها , علم ضعفها فإحتواها بقلبه , علم إحتياجها فمنحها ما يملك , علم بشدتها فأكمل نقصها . . فعل هذا في الوقت المناسب وحين طلب منه , لم يكذب قط ولم يخادع , لم يحتج سوي جوارها ورفقتها , لم يشعر بكونه سيضيع عمره إذا إقتصر عليها . . فقط فعل كل ما لم أفعل . .

بالطبع لم أستطع حضور الحفل وإن كنت قد شاهدت الصور علي هاتف صديقتها . .

حسنا . . قلت لك إنتهي الأمر . . أعلم جيدا حين ينتهي .

قطعا لن أستمر . . سأتغير . . لن أفعلها مجددا

ماذا قلت ! . . أرجوك هذا يكفي الآن

لا أريد الحديث في هذا الموضوع مجددا . .




الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

طلّـــــــة + (تحديث)










المدونة - الباش مهندسة - الجميلة ميرام أبهرتني الصراحة لما كملت القصيدة من وحيها المثمر فحبيت إني أضيفه للبوست - بعد إستئذانها طبعا . . 



مصطفي فوزي



هي حالة إسمها والشكـل هالة
فوق راسها منورة بتقول تعالي
هي مين دي وجت منين
شفتها وكأني سكران للثمالة

ضمة شفاهها والجدايل مفروشين
غمزة غارزة والعيون مدوّرين
صوتها عالي
تشوفها تسمع عصفورين متولّفين

باينة هادية . . بس هي في الحقيقة شادية
روحها فايتة . . قلبي منها راح بقاضية
واللي زاد وكأني تايه
من بسمة بس . . حسيتها عني الدنيا راضية

في وسطهم فاكرينها مش في الضيّ
حاسبين عيونها طفلة بضفيرة في الحي
وأنا وحدي ولو يحسوا
شايفها جنة في أرضنا أبدا ملهاش زي

 عارفة حاسة , شايفة راسية . . بعقل دافي
رحت مني , يوم بطوله , لو قصادها لأ مش كافي
مالية بحنانها المكان
واللطافة , والشياكة , واللباقة , ويّا إحساسها الخرافي

إنسانة حرة . . جواها بالمللي زي اللي بره
مش عارفها بس بعرف , لو شفت درة
نفسي أقرب
نفسي أقولها , نفسي تبقي لعيني قرة



ميـرام عـلي



هي حالة .

.
والكلام اصبح في حضرتها استحاله


حاجة بتشدك بتنده جوه ودنك ..


مش هتبعد .. لأ ..تعالى ..


هي احسـاس السراب

 ..
فين حقيقته من خياله ..


وانت نفسك.

.
بس توصل للدلاله


هي لحظة فايته منك 

..
وانت متشعبط في ساعه !


هي ترياق السعاده


وانت معدوم المناعه ..


هي قطة 

..
فيها اضداد الشراسه


والوداعـه 







الجمعة، 14 أكتوبر 2011

شــــيرين








خيم الليل سريعا هذا اليوم علي غير العادة , ومر السكون متكررا يحمل هبات النسيم البارد التي تنذر بشتاء قاسي لا محالة , بينما جلس هو ثابت كالصخر , خارجيا علي الأقل يتوجس نظرات الآخرين خشية إستشعارهم بضعفه الناتج عن قلة خبرته , وحيلته . فالنوبتجية اليوم تضج بالوجوه الواجمة العاكفة علي شئونها الليلية من قيد وتسديد لمحاضر شابت شعور موقّعيها حتي إستقرت حيث تتواجد الآن , في حين ظل هو علي حاله ينتظر بعثات القدر . لم تكن للدبورة الصغيرة المستقرة أعلي كتفه أن تمنحه ما يشتاق إليه من خبرة وحنكة يكفلان له التيقن من سطوته , فطنته التي يحلم بها وينتظرها .


هو الآن الآمر الناهي - هذا ما كتب علي الورق المرسل المنزّل - الجامع الموزع للأدوار المحرّض المُخلّص , علّه يُجبر علي التعلم كما إعتاد أسلافه , فالعلم هنا بالتجربة , وبالتجربة وحدها يحلو النجاح , ويُتجاهل الفشل , كما قالوا . تصاعدت أنفاسه الساخنة رويدا رويدا مع تساؤلات ذاك العابر عن رقم قضية تشغله , راقب مط شفاهه العميق متفهما , متقهقرا عائدا من حيث أتي مجددا . ساد الصمت القاتل مرة أخري وكأن لا أحد يشكو اليوم , حتي تعالي علي خجل حفيف أحد الأحذية الرخيصة يتهادي صاحبه وكأن هناك ما يثقله , إلتـفت الملازم نحوه يستشف ما أتي به , إقترب العجوز حاملا حمله تنكمش ملامحه المختلطة بها الشفقة بالضيق , وصل حتي ذلك الرخام البارد وألقي بما في جعبته , مهتما سأله :

_ خير يا حاج ؟
_ أبدا يا بني , خير إن شاء الله , الظاهر الناس قلوبها ماتت , حد برضو يرمي ضناه .


تناهي إلي مسامعه ذلك الأنين الأشبه بالبكاء المختلط بالهمهمة , وتنبه لثقل تمتلئ به تلك "القفّة" التي وضعها الرجل أمامه , عقد حاجبيه تتردد أنامله حتي جذبها من طرفها , ويالشدة دهشته . ظهرت ملامحه شيئا فشيئا , آخر من توقع أن يراه اليوم , تلك العينان شبه المغلقة التي تتأمله في أمل , تلك اللثة المستوية المحمرة التي تظهر كلما تسائل عن مصيره , تلك الأصابع الدقيقة التي تحاول التشبث بالهواء , أو بإصبع أول من يناوله إياه ليستمد منه بعضا من أمان إفتقده منذ خرج إلي الحياة , ذلك الجسد المسجي حائرا باحثا عمّن يضمه ليدفئه ويحميه من صقيع الوحدة الموحشة . .

_ إبن مين ده يا حاج ؟
_ إبن قلب قاسي ولا بيرحم يا بني , ربنا يتولاه برحمته , هو الكافي .


خفق قلبه وإقشعر بدنه بقوة كما لم يشعر من قبل , لم يدر لم لم يود أن يمسه , لم يقترب بالمرة أية مرة من طفل بذلك الحجم من قبل , لم يداعب أحدهم أبدا ولم يع كيف , لاحظ أخيرا صمته الغريب , وكأنه – الطفل – من قرر أن يمنحه السكون اللازم للتفكير . تجاهل العجوز تماما بغير عمد , فقط لم تقو عيناه علي أن تفارق ملامح الطفل المرتعشة , حائران إثنان لا يعلم أيهما مصيره برفقة الآخر . ألقي العجوز بكلمة ما ظنها إستكمالا لنعيه صعوبة الموقف , ثم سأله عما ينبغي من فعل . . الحقيقة وما إعترف به – لنفسه – أن ما كان يخشاه يوما قد حدث , ود طوال الفترة القصيرة التي مرت به ضابطا للمرة الأولي في حياته ألا يقع في موقفا لا يدر به ما عليه فعله , مرت بخاطره كافة الدروس – أو كما يمكن أن تسمي – التي تلقاها مسبقا حول المحاضر المختلفة والأسئلة التي يفترض سؤالها , لم تكن سبا أو ضربا أو سرقة أو نصبا أو فقدا أو غيرها من الأحوال المعتادة , لم تكن لمحاضرات مسارح الجريمة وتدريبات الرماية واللياقة كذلك أن تسعفه . الآن الموقف يحتاج إلي حسم أكثر منه إجراء .

_ علي فكرة دي بنت .


تعجب كيف لم ينتبه لتلك السيدة التي دلفت تستقر أمامه , بجوار الرجل , تعبث بالـ"قفة" وما بداخلها . صاح بها لا إراديا حين فوجئ بأصابعها تنتهك حرمة الطفل دونما إستئذان , عنفها مجددا حين لم تقر بسبب تواجدها في حضرته . زفرت السيدة نفسا متقطعا بأنه القدر من أرسلها لتطلعهم عما رأت , وأن من بعثها من مرقدها بالبيت إلا لتطمئن علي ما تجهل ماهيته , أو ما كانت قبل الآن . تعجب منها العجوز وخجل من جهله وتسرعه بالحكم علي جنس المولودة دونما نظر , إنصرفت السيدة كما أتت .


إقترب منهما دونما نظر , فقط تتابع عيناه ملفا يدسه بين تلال الأوراق القابعة بأحد الأركان المزدحمة , أمينا كان , مهنة لا صفة , توالت ملاحظاته الباردة وعباراته البذيئة المكتومة وكأنما يوميا يلتقط لقيطا فيودعه أيا مكان ما أودع سالفه , رمقهما أخيرا , الضابط والعجوز , بخفة لزجة نزقة , يرتاب مشاهده فيم جعله لينتهي به الحال حيث يُخدم الشعب وتصرّف الأمور لا حيث تقطع الطرق وتنهب الجيوب , أو كما يفترض . قالها كما بدت :

_ إفتح محضر يا بيه وإكتب زي ما هقولك .


إنقبضت ملامحه لوهله كما إعتاد كلما سمعها , لا بأس الآن , فالأيام بيننا , والخبرة تحكم الموقف الآن , كما إعتقد . زفر أنفاسه منكفئا علي أوراقه يبتلع غصته مفكرا فقط في طفلته . . تعجب ساخرا حينما بدرت منه . أملاه ما يجب أن يستفسر ويسأل ويبحث , وأجاب العجوز بما أملاه ضميره , كانت كما لاقاها حيث الزاوية قرب الناصية , حيث إعتاد أن يمر في طريقه عائدا من صلاة الفجر , إستوقفته خربشتها كهريرة نسيتها أمها أثناء بحثها عن مرقد جديد لقطيطاتها , إلتاع لرؤيتها بهذا الخلاء , أو رؤيته كما ظن حينها , هرع يجثو علي ركبتيه يتفحص هل لازال تدفق الحياة حاضرا بهذا الجسد الواهن الضئيل , تعجب كيف أتي ومن أين . نظر حيث الخلاء لا سواه من حوله , ووجده يحمله نحو الطريق متلهفا .

_ مش جناية . . عادي يعني .

قالها المقتضب بخشونته المعتادة معلنا – إثر نظرة سريعة – عقد الحبل السري , ليس جنينا لحظيا بل تم الإهتمام به لساعات علي الأقل , رآها فقالها العجوز بتفهم قلق . تتابعت اللحظات تحمل بطيّاتها نبضا لقلبا دقيقا يبث زخاته في المكان , يبعث علي تفاؤل لإنقاذ روح وتشاؤم لمصيرها المنتظر . تراقصت أصابعه تنهي محضره , تنفلت نظراته نحو "القفة" يتفقدها , يحتويها بإحساسه المفاجئ بالمسئولية نحو ما بداخلها , حفزها بداخله تحفز العجوز منتظرا دعوة للرحيل , قد أوشك . مواءا أو أشبه يتصاعد كل حين , وكأنما تذكرهم بوجودها , أنا هنا لا تنسوني , أنتم أعلم بما أحتاج !


_ سمّي يا بيه وإتكل علي الله .

قالها الأمين ولم يستوعبها للحظات , بسم الله الرحمن الرحيم قالها بحذر أشبه بالسخرية مستفهما , تهكم الأول شارحا , أنت من يتولي الآن , مسئولا رغما عنك عم خطت يداك , إستكمل دورك الآن , سمّها . . إرتفع حاجباه مصحوبان بغصة في حلقه متعجبا , لم أنا . . ألمجرد إسمي أعلي السطور , أتحمل مسئولية دهور ! . . مرت لحظات أخري ثابتة , صامتة , عاجزة عن فرض قرار . منفعلا مذهولا تتبادل نظراته مع من حوله , مستمدا شجاعته منهما ليفعلها , حتي قالها . . 

_ أنا كده يا بني عملت اللي عليا . . السلام عليكم .

لم يعره إهتمام بمجرد مبادلته الرد , رغم إندهاشه بلا مبالاته . عاد لحيرته واقفا محملقا بها , وكأنما يسألها عما تحب أن تسمي , أو يقنعها بما جال بخاطره , لا لا . . لا يصلح . .

_ خللي بالك عشان المحضر ما يرجعش . . خليك في المضمون .

لم يدركها أولا كالمتوقع , حتي ظهرت جلية . من هو ليقرر من هي , من هو ليقرر حياتها وسلوكياتها ومبادئها وكيانها بأكمله , من هو ليقرر عقيدتها وقناعاتها وثوابتها , من هو ليقرر ديانتها ! . . لن تصلح فاطمة وخديجة , وكذلك ستخفق فيفيان وكريستين . . عقد حاجبيه شاردا , متعمقا بثقافته وعالمه المحيط عله يجد ما يبحث عنه , ما يطمئن ألّن ينفرها . . بحث بعيدا , ثم إبتسم حين وجد قريبا . . وكأنما أراده إسما يتعرفه , إسما يعرفه ويحنو له , إسما يشعره بقلة غربته . . فلم تكن سوي شقيقته . . شيرين .


مهر توقيعه بإبتسامة قبل أن يعاجله . . لم ينته الأمر بعد . . أتكون وحدها من لا إسم لها , يُكتب بكراس يخصها . فهم سريعا هذه المرة ما يحتاج إليه . . أدرك مجددا حاجته للوسطية , لا لمحمد ولا لجرجس , فقط ما بينهما . ثانية توجه – ضاحكا هذه المرة – نحو الجانب الآخر , شقيقه و . . جده .

_ شيرين شريف كمال

قالها بثقة مانحا إياها صلة إسمية به لن ينساها مطلقا , مفتون هو إذ قرر ذلك , مهموم بالقضية والموقف , مشدود . نالت منه بحق وتمني خلاصا يمنحه إطمئنانا لمثواها الأخير بالنسبة إليه والأول لها . لم يدر لأين تكون مصائرهم , اللقطاء كما أسمونهم حين أُلتقطوا , اللهثاء لدفء يحوي ضعفهم وحنان يدنو نحوهم . .


فركت أصابعه ببعضها البعض شاردا , كانت الليلة بنهايتها الروتينية نحو إزدحام خجل يفضي ليوم شاق كعادته . زفر نفسا عميقا معلنا يأسه من الإنتظار , جز أسنانه للمرة المليون إمعانا في التيقن مما يعتريه من ضيق , إنتفض ضاغطا بأوتاره وأربطته حتي إنتصب , إلتفتت ملامحه متأهبا نحو من أرسل منذ دقائق . . كانت اللحظات الأولي تنبئ بصعوبة الأمر , والتالية بإستحالته , ود لو يدعها تحت نظراته المتفحصة إلا أن المناخ القاسي حال دون ذلك , فكانت الحضانة المجاورة – بمشرفتها المقيمة – أولي بذلك حتي الصباح . وصلت لتوها تتهادي , إن جاز قولها . وصلت وقد طال إنتظارها بغية توديعها , إلتحما معا وقد بدا وجهها مشرقا بعد ليلة هادئة , بإبتسامة جانبية شعر بخفة روحها , ففطن لوجوب الفراق قبل سيطرة الهوي . حملته قدميه نحو الطريق وحتي المكان المنشود , بصحبة مساعدا يصحبه . دارا لرعاية الطفولة كان إسمها , حيث علم بوجوب إيداعها , هبط متثاقلا تعثّر قدمه الأخري وكأنهما تأبيا , بينما تعجّله خشيته من حمل يثقل حيلته ويقضي مضجعه خشية تأثره بضعف أبوته .


حيته متبسّمة تحفزه بحذر , فطنت لحيرته وكادت تضحك لفرط نقاوته وبراءة نيته . أجلسته ودعته لتتولي عنه حمله , تخلت أصابعه بصعوبه عنها مترددا حتي أذعن مقتضبا , مسئولة كانت , حانية دافئة علي غير العادة , تلقائية روتينية علي غير ما تمني وإن كانت العادة . أنهت أوراقها سريعا فأيقن أنها النهاية أو كادت . . 

_ ممكن تكمل بياناتها ؟ . . إسم الأم .

كاد يضحك من فرط ما تحمل , وكأنك تبتكر أسرة علي الورق , كيانا عائليا خياليا يقيها شر الخجل أو بعضه حين تُسأل , يمنحها أملا حيث لن يبقي أمل , يمنحها إسما لتحب , لتشتاق لرؤيته حين تأتيها ليلة العيد وحيدة كل عام , حين تأبي ألا تتجاوز عيد الأم دونما أن تشكر أحدا , ستأتي يوما لتأخذني , ستذكرني يوما لا محالة , حين تلتق روحينا قبل جسدينا في إشتياق لعناق طال إنتظاره , ستمنحني السكينة والقوة لأستمر , لمستها الحنون بعد السنوات العجاف . .


رمقها وكأنها تبادله النظر , لا يرون الأشياء بعد , قالتها المسئولة ليبدي عدم إهتمامه , إستند بمرفقيه علي الطاولة التي تحملها الآن وران الصمت للحظات وسط النظرات , بينما رفض كفه إلا أن يداعبها آخرا , فإلتقط هاتفه وإختلس من الحياة لحظة بصورة قرر أن تلازمه بعدما . . الوداع الآن , وكأنها تضحك لتخفف من حدة الموقف , وكأنها تبدي إنصياعها لما سيأتي وتترفق بقلبه الذي يقطر مرارا , زفر بأن لا مشكلة , بأن تلك هي الحياة ولا داعي للقلق , بأنك تبالغ حتما , إقتنع مرغما وأنهي معاملته ومنحها نظرة أخيرة وإستدار مغادرا , خرج إلي الشارع فإصطدمت به الحياة بزحامها وضجيجها وعنفوانها , مرت ساعات وإستعادت حياته سكونها وصخبها المعتاد , عادت الطيور تصدح بمرورها بصفاء السماء الزرقاء , ومرت مجددا السيارات بأنوعها بذاك الميدان المزدحم دوما , وعاد المواطنون يتوافدون علي أكشاك الجرائد وأفران الخبز بتعجل يشوبه التوتر , وعادت البراءة تقتحمه كل حينما .



الاثنين، 12 سبتمبر 2011

لــــسّـــه







أول يومين
أول وتاني إسبوعين
قبل السنين
أيام ما كنا صغيرين

أول دقيقة , قلبي قاد فيها حريقة
أول مرة أشوف , علشان أشوفك طريقة
أول ضحكة جاية بتجري من بعيد
أول غيرة بتكشيرة في عيون بريئة

تاني أعيشهم , مش بعدهم , لأ قبل النهاية
قبل اليومين الضيقين
قبل السنين , أيام ما كنا حنيّنين

أيام أول لقا , أول سهر , أول رسالة
أول مرة العينين ندهت تعالي
أول لبس بذوق حبيبك
أول غمز , لمز , إحساسهم بحالة

تاني أعيشهم , مش بعدهم , لأ قبل النهاية
قبل قلوبنا الميّتين
قبل السنين , أيام ما كنا متجمّعين

أيام أول كسوف , أول كلمة حب إتشكلت حروف
أول مرة طلعت : طمنّي عليك , فعلا بخوف
أول معايدة
أول هدية رغم البساطة تسوي الألوف

تاني أعيشهم , نفسي أعيدهم , همّ بتمامهم
مش قبلهم ولا بعدهم بعد النهاية
لأ في عزّهم
قبل كلام اللوّامين
قبل السنين , أيام ما كنا قريّبين

أيام أول مشاركة في حلم من غير شروط
أول ساعات في ثواني معاك تفوت
أول مناهدة علشان بحبك
أول فهم رغم السكوت

تاني أعيشهم , لسه لامسهم , لاغير عايزهم
مش مهم إيه بعدهم , ولا يفيدني إيه منهم
بس الأكيد محتاجلهم
أيام مكنتش بحسب للي فات
أيام حنين
قبل الأنين
قبل السنين
أيام ما كنا متأكدين








الاثنين، 15 أغسطس 2011

يوم أن تركَتني







دلفْت لما كان مكانا يجمعنا
لأنتظر بصحبة زهر شوارعنا
أشتعل بعطر من قلبي
أرقب ما سيشهد مس أصابعنا

جلسْت بوحدة جسدي مختال
أراجع ثانية ما قيل ومن قال
أتوجس خيفةُ أن أخشي
أتوجه إلي ظلي مختبرٍ بسؤال

جلسَت . . تبتسم أمامي فنظرت
أترنح ما بين سؤال والصمت
بدأَت بتذكر ما سبق وقلناه
فورا أحسست بعاصفة من الضغط

قالت أصرفت النظر بما قلت ؟
أم لست كما معي تناقشت ؟
خذلتني لوهلةُ أخذتني
أحببتك , هذا ما رددت

أحتاجك قالت , فتأنّت , ولكني . .
أحلامك حقا جدا تصدمني
أتفكر دوما أن تعلو , أن تدنو . .
أتراني رفيقا أم تُري تهملني ؟

قلت سبيلا , أرجوه بديلا
حتي بجاهٍ كان لي قنديلا . .
حلمي فقط , دوما سأراه
أفبغير الحلم أضاء النيلَ ؟

قالت عمر أود أعيشه قريبا
قالت جدّ طريقة غريبة
عصفور لك خير من العشرة
لم تبحث عن وجهة بعيدة ؟

قلت أري , لكن لا أراني
قلت أضيق , يفور كياني
لكني أراكي , لكني أريدك
بك . . أرغبها , ويأت أواني

أعذرني أجابت لست بمقدرتك
بمحبة , عجزي عنه سألتك
أعترف وأرجو بحق ولائك
ويضنيني الشوق , ألي مغفرتك ؟

قلت أكون لغيرك ترضي ؟
قالت لا وقت لديك لعِندي
قلت أحبك
قالت سأظل أُجيرك ودّي

فرقت أناملنا , طفأت الشمع
نظرت لبسمة , بريئة , رقيقة , لدمع
مططت شفاه , نظرت بعيد
تركت زهور . . ردءت الصدع