الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

لماذا يرفضون المجلس المدني ؟








لن أخوض في تفاصيل ما يحدث في الشارع المصري بشكل عام وفي ميدان التحرير – أو شارع محمد محمود – بشكل خاص , فالوضع أوضح من أن يستوضحه أحد فهو جريمة بكل المقاييس , فقط سأستعرض ما يردده البعض الآن من طرح لفكرة تسليم السلطة لمجلس رئاسي مدني , وهنا قد يتفق البعض أو يختلف . والحقيقة أن من يختلف فإنما يبدأ حديثه دائما بسؤالين شديدو الأهمية , لمن سنسلم السلطة ؟ . . وماذا سيحدث للبلاد "أمنيا" بعد تسليمها ؟ . . أعلم يقينا مدي تنوع طبيعة الشارع المصري وإختلاف إيدلوجياته وأفكاره إلا أن القاسم المشترك الآن بين الجميع هو الرغبة بعدم وصول البلاد إلي طريق مسدود , أي عدم الجر بها إلي مهزلة من التناحر علي السلطة . ولما كان الأمر قد وصل به لما وصل من إنهيار أمني وإقتصادي وإجتماعي وسياسي علي أيدي "بسلامته" المجلس العسكري , فضلا عن الإنتهاكات التي لن ينكرها سوي خائن لهذا الوطن ولشعبه , لذا فليس من المعقول وتحت أي حجة أن نستمر في التعويل عليه للمرور بالبلاد من عنق تلك الزجاجة اللعينة بل ونتمادي – كما يفعل البعض – ونمجد في دوره في حماية الثورة .

يري الكثيرون أن الوقت قد حان ليتولي مجلس مدني رئاسة البلاد , وهنا أشدد علي عدم جدوي حكومة الإنقاذ الوطني المزعومة في ظل وجود المجلس العسكري , ولنا في عصام شرف "بجزئيه" عبرة , إذن فالأدعي أن نستعين الآن برموز من كافة التيارات السياسة وهم ليسوا بكثيرين فهناك رموزا قد يجمع عليها أكثر من تيار , ونجمعهم بمجلس مكون من خمسة أشخاص علي سبيل المثال , ويمكن أن يرافقهم أحد السادة القضاة ولنقل رئيس المحكمة الدستورية العليا لإضفاء بعض الشرعية , بالإضافة لممثلا عن القوات المسلحة كمستشارا عسكريا وليس أكثر , وبذلك نكون قد تخلصنا من "رعب" فكرة التناحر علي السلطة والفوضي المزعومة , كما لا أظن أحدا رأي بلدا يمتصها العسكر طوال ستون عاما سيكره رؤية من دونهم . .

أما بالنسبة للمجلس العسكري فالحقيقة أيها السادة أن السيد المشير حين تولي سلطة البلاد كرئيسا لهذا المجلس فهو لم يتنازل قط عن منصبه كوزيرا للدفاع , دعنا هنا لا نقف عند كونه رئيسا لنفسه وتلك "اللخبطة" السياسية , فالمجلس العسكري هنا كمجلس إداري لإحدي الوزارات قد قفز من سلطته التنفيذية للجمع بينها وبين شقيقتها التشريعية , فتارة هو حاكما , وتارة يأمر نفسه فيتولي مساعدة وزارة الداخلية من خلال قواته العسكرية داخل البلاد , إذن دعنا نتفق إننا حين ننتقد المجلس العسكري كسلطة سياسية فإننا لا نقصد هنا مؤسسة الجيش العريقة التي لا يرغب في هدمها أحد , بل أن المجلس بفعلته هذه هو من عزز نار الإنقسام بين الشعب علي تلك التسميات المتناقضة .

أما الآن فإذا قام المجلس العسكري متفضلا بتسليم السلطة لمجلس رئاسي مدني فإنه سيتفضل أيضا ويعود – ليس لثكناته – لدوره كمجلس لوزارة الدفاع , أي ليمارس دوره الذي يباشره الآن في المساعدة علي حفظ الأمن , أي يعود لوظيفته التنفيذية الطبيعية تحت إمرة وزير دفاع يتبع رئيس وزراء يتبع رئيس جمهورية ممثلا عنه المجلس الرئاسي المدني . وهنا يجدر الإشارة إلي أن بقيام السيد المستقيل عصام شرف بتقديم إستقالة الحكومة فإن السيد المشير طنطاوي ضمنيا وفعليا أصبح خارج نطاق الخدمة , فيتسلم منه مؤقتا رئاسة المجلس الأعلي للقوات المسلحة أقدم لواء مناسب للمنصب وذلك حتي تعيين وزيرا للدفاع بمعرفة رئيس الحكومة الجديد – بفرض ظهوره .

إذن فلا مشكلة الآن شكليا من ناحية من سيتسلم السلطة وكيف ستدار الأمور , أما بالنسبة للناحية الأمنية فالواقع أن ذلك الشأن يعود بشكل رئيسي علي وزارة الداخلية , فتلك وظيفتهم ومهمتهم في الحياة ولا شأن للقوات المسلحة بها . ولكن ما يحدث علي أرض الواقع – وللأسف – أن ما آلت إليه الأمور من تصاعد لنبرة المطالبة بتواجد القوات المسلحة بكافة المواقع والمهام الشرطية أصبح نقرة وخيبة بالغة الخطورة , فكثير من ضباط الداخلية الآن أصبحوا يشترطون لنزولهم الشارع أو للقيام بأية مأمورية أن تتواجد بصحبتهم فرقة من القوات المسلحة , وذلك قبل أي حديث عن أي مجهود من ناحيتهم , مما يشبه تطبيقا لمقولة " غديني تلاقيني" . وكأن المعتاد والطبيعي أننا نحتاج لمن يؤمن من يؤمن المواطن , الحقيقة أن هذا الوضع أراه بالغ الخطورة ولا أدري كيف سننتهي ونصل لمرحلة الفطام من هذا الإحتياج لجرعات متتالية من القوات المسلحة .

جرب أن تسأل ضابطا من وزارة الداخلية - الغالبية العظمي - ما رأيك في رحيل المجلس العسكري , ستجد الرد جاهزا . . البلد هتقع . . الأمن هينهار . . وكأنك تتحدث لمواطن وتخبره أنك ستقوم بإلغاء الشرطة !! . . إذن فإننا أمام حالة من فقد الهوية , هذا كسبب أولي للرفض , وللأسف الشديد أيضا فتلك الحالة قد وصلت بطريق مباشر وغير مباشر للمواطن الذي تأثر بشدة وتيقن من فقده لأمنه وأمن أولاده بمغادرة المجلس العسكري لحكم البلاد . أما السبب الآخر فهو بالطبع لكون المجلس العسكري هو مصدر هيبة السلطة التي فقدتها الداخلية وتبحث عنها بيأس الآن , كما أنه المتغاضي الأول والمساعد الرئيسي في عدم محاسبة أي مخطئ من ممثلي السلطة سواء من الداخلية أو من الشرطة العسكرية . فالكثير سيقع تحت طائلة القانون ومقصلة العدالة من الجهتين إذا ما قرر المجلس العسكري ترك مقاليد السلطة والتنحي جانبا لصالح مجلس مدني لن يفرق بين مدنيا كان أو جنديا ولن ينحاز لأحد , بل سيعادل غشامة السلطة التنفيذية ويوازنها لصالح الوطن والشعب . بالطبع هناك الكثيرين من الجهات الأخري – الأصابع كما يسميها البعض – التي تقوم أيضا بنشر نفس الأفكار السلبية لنفس الأهداف اللعينة التي يندي الجبين لقيام بعض الضباط الشرفاء بمعاونتهم عليها .


إذن فلا مشكلة فعليا أيضا سوي في تخاذل البعض والوهم الذي ينشره بمعاونة البعض 
الآخر , لا مشكلة حقيقية في رحيل المجلس العسكري وقدوم مجلس مدني بالتزكية 
والتوافق بين القوي السياسية يتولي إدارة البلاد لحين إنتخاب رئيسا شرعيا للجمهورية 
بعد إنتخابات مجلس الشعب وبعد إعداد دستور جديد . بالطبع الحديث عن إجراء 
إستفتاء طبقا لإقتراح المشير هو محض هراء بالغ فلم يتولي المجلس بإستفتاء حتي 
يغادر بإستفتاء , ولا أحد الآن يستأمن المجلس علي وسيلة سيحرث بها الأرض ليميلها 
لصفه بحثا عن شرعية زائفة للإستمرار بالحكم , فضلا عن كون الإستفتاء السابق قد 
كلف الدولة قرابة المائتين مليونا وهو الذي يتحدث عن إنهيار إقتصادي نسي الإعتراف 
بكونه سببا رئيسيا به حينما تجاهل القيام بخطة تقشف حكومية أو تحديد حد أقصي 
للاجور . هذا والله تعالي أعلي وأعلم . 




4 التعليقات:

شريف القاضى يقول...

تحليل ممتاز وأكثر من رائع ..تسلم دماغك ..

ساسو يقول...

مصطفي
بجد بجد بجد الله اكبر عليك
مش هقول اكتر من كده

Emtiaz Zourob يقول...

المشكلة انه احنا مش عارفين شو بدهم بالضبط .. مجلس مدني ولا عسكري ولا اخواني ولا شو بالضبط ..

بغض النظر عن كل شيء .. تبقى المهمة هي مصر ومصلحة مصر فوق كل المصالح الفئوية والطائفية والحزبية .. وفي النهاية لا يسعنا غير ان ندعو الله أن يوليها للصالح وان يصلح الاحوال قريبا ..

همس الصمت يقول...

أتفق معك شكلاً وترتيباً وتحليلاً ومضموناً

ويبقى السؤال الضاااج !!

أين طرف الدائرة ؟؟
ومن خلف الإنقسامات يختبيء ممسكاً بكل الخيوط ؟

كتلة ( العباسية )تحتقن وتنشق
مصر ليست ميدان التحرير

من أين تأتي الشرعية اذاً

ثم تأتي لعبة الإنتخابات دمية لاهية
يتعثر فيها الشعب قبل الأحزاب

تأكد يا مصطفى أن كل يوم يمر على وجود المجلس في السلطة ليست في صالحه أبداً
ولاولا رعب المتورطين المرتصين فوق كراسي المجلس الموقر لتبدل الحال غير الحال
ولما سبقنا في إدارة عجلة الديمقراطية دول كانت تتعلم منا كيف تتحرر الشعوب



تمتلك فكر عالٍ جداً أهنئك وأشد على عضدك

فتقبل تواجدي وإن كان مزعجاً