الأربعاء، 15 يونيو 2011

أُنظر آخر الكتاب









وطني الذي به ترعرعت . .




ظلت تلك العبارة – الجديدة تماما عليه – تراوده كثيرا طيلة أيامه السابقة وحتي تلك اللحظة التي جلس بها يتذكر ما صاغته عباراته في إمتحان اللغة العربية الأخير بصفه الخامس الإبتدائي , لم تكن لمعاني الوطن حقا بداخل روحه الصغيرة قيمة أكثر من تعصّب تعلّمه ولم يعيه بعد , علمته أيامه القلائل أن عالمه الصغير لا يحوي سوي كيانان , مصر والولايات المتحدة الأمريكية , أو أمريكا كما إعتاد الجميع أن يسمّيها , أن الأولي يتحدث قاطنيها العربية والثانية يتحدث قاطنيها الإنجليزية , علمته مدرسته الدينية العنصرية أن الأولي تعتنق الإسلام والثانية تعتنق المسيحية , فقط كان هذا كل ما يمثله له العالم في ذلك الوقت , تذكر حين غلبتاه طبيعته الرافضة للنمطية وروحه الباحثة دوما عن كل ما هو جديد ودفعتاه إلي تخطي صفحات كتابه الصغير ليصل به حتي درس ما بالترم الثاني من عامه الحالي , حين قرأ تلك العبارة العجيبة , شدته الكلمة وظنّها مزاحا لما تحويه من حروف تدغدغ فمه حين ينطقها " ترعرعت " , ظل يلتهم الدرس الجديد وتسجل ذاكرته ما يحويه دون أن يدر ذلك في حينها , فقط سارعت أنامله إلي ملء سطور ورقته – حين جاءه موضوع التعبير ذاك طالبا منه التعبير عن معني الوطن – بما يتفق مع ما قرأ مسبقا , إبتسم حين تدفقت أفكاره بسلاسة تخط ما إستطاع تحويره بسهولة ليصنع منه رسالة يقرأها المصحح متأملا مفتونا , إبتسم وهو لا يدرك من معاني وبواطن ما يكتب أكثر ممّا حفظ غيبا , تفنن في وصف كلمات عجز أقرانه عن تخيّلها لكونهم لم يدرسوها أو يفهموها بعد , لم يشعر حقا بتفوقه في ذلك أكثر مما شعر بنشوة التمكن من تخطي جزءا مهما بإمتحانه , تخطي حتي ذلك حين جالت بخاطره الذكري لا مباليا يحاول أن يعي ما يقوله مدرسه الماثل أمامهم في الفصل . .


" . . . . . . . . . . "


تنبه حين سمع إسمه , لم يدر حقا فيم يمكن أن يحتاجه أحدهم ليستدعيه في مثل هذا التوقيت , لم يفعل شيئا خاطئا مؤخرا , لم يجرح أحد أصدقائه كعادته ولم يسخر من صوت مدرّسة الموسيقي بصوت مرتفع مؤخرا كما إعتاد أن يفعل , إذا فلم الإستدعاء ؟ . . تراجع في مقعده متوجسا ثم ما لبث أن نهض وذهب لاحقا بأحد زملائه الذي طلب منه أن يتبعه , سارا لعدة خطوات قبل أن يدلفا لفصل مجاور فوجئ حين تابع فيه نظرات التلاميذ الجالسين المحملقين به بشدة وكأنه المهدي المنتظر , لم يكد يشهق حتي عاجلته مدرّسة اللغة العربية – التي تدرّس لفصله أيضا – بذكر إسمه وكأنها تكرّم أحد مرشحي الأوسكار ولم يدر ما السبب , لم تمهله كثيرا ليتساءل , فاجئته بقولها بأن صفّقوا جميعا لزميلكم " . . . . " الذي حاز علي الدرجة النهائية في إختبار اللغة العربية , تلاشت ملامحه المتعجبة وإنهارت شفتاه المبتسمة بسعادة حين تابعت بقولها أن صفّقوا مجددا لأفضل من كتب موضوعا تعبيريا عن معني الوطن بين كل تلاميذ المدرسة , هاله كثيرا ما سمع وأوشك أن ينفجر ضحكا حين قالت ما قالت , أراد – من فرط براءته – أن يخبرها بما فعل وما قرأ مسبقا إلا أنه تراجع وقرر ألا يفعل , قرر أن يختلس من الدنيا هذه اللحظة , لحظة تكريم لم ينل مثلها من قبل ولم يدر كونه لن ينل مثلها من بعد , لم يهتم حقا إذا كان قد عبر عما يدور في عقله وقلبه من عدمه , لم يهتم حقا إذا كانت كلماته منتقاة من مشاعره الحقيقية تجاه وطنه أم هي كلمات رآها مناسبة لما يعتقده تجاه هذا الأخير , فقط إهتم بما منحته تلك اللحظة من مشاعر إنتصار . . من إثبات لدهاء طفل إستطاع أن يلفت نظر الجميع , ويحظي بتكريمهم أيضا . .





4 التعليقات:

reemaas يقول...

رغم عدم فهمه للمعانى لكن حسها ولفتت نظره كلمة وده ينسف مبدء الحفظ اللى قايم عليه تعليم بلدنا

فكرتنى بنفسى زمان لما لفتت نظرى كلما مما لا شك فيه وقررت استخدمها فى موضوع التعبير بس الفرق ان المدرس استدعانى وحقق معايا علشان يعرف مين غششنى باعتبار ان مافيش طفلة ممكن تقول كلمة زى دى

بلد مجانين

FAW يقول...

reemaas

الغريب إن محدش فكر يسأل جبت الكلمة دي منين :)

بس " مما لا شك فيه " إنك كنتي طفلة ناصحة :)

تحياتي . .

Emtiaz Zourob يقول...

على فكرة انا زي ريماس ، وانا صغيرة كنت استخدم كلمات غريبة عن سني مثل كلمة مما لا شك فيه .. في بداية كتابة موضوعات التعبير .. وكان الاساتذة يستدعوني ليس للتحقيق معي بخصوص هذه التهمة ، بقدر ما كانوا يفتنون بقدرتي على استخدام وتطويع اللغة .. بس السر كان في اني كنت اعشق القراءة وخاصة الكتب التي للكبار وليست للصغار كنت اختلس الكتب الخاصة باختي الكبيرة واقوم بقراءتها كلها على ضوء النواسة حتى لا يشعر بي أحد وانتهي منها قبل ان تعيدها اختي إلى المكتبة .. وكنت اقتبس كلماتي من تلك الكتب .. عموما نرجع لموضوعنا .. ساعات كثيرة الانسان بتكون عنده طاقات من الابداع التي لا يدركها وتخرج للعلن فجأة ، كمان الغربة تفجر الطاقات المدفونة ..

FAW يقول...

وجع البنفسج

كويس إن عندكو دي مش تهمة :)

المشكلة إن ساعات الكبار مبيقتنعوش بعقلية الأطفال أو بيستهينوا بيها . . أو الأسوأ بيهملوها لحد ما تنتهي

القراءة حاجة رائعة وبالذات في الصغر بيبقي الواحد عنده شغف وإستعداد رهيب

عندك حق فعلا في موضوع الطاقات المخفية

نورتي . .